مجتمع

مرحلة إيلام العدو: كيف تطورت استراتيجية حزب الله العسكرية؟

ما الذي يهدف إليه حزب الله من تطور عملياته العسكرية الأخيرة تجاه إسرائيل؟ وما الاستراتيجية التي يعتمد عليها لتحقيق ذلك؟

future إسرائيليون يتجمعون حول نعش الجندي الإسرائيلي الرقيب أميتاي ألون، ثناء جنازته، والذي قُتل في هجوم بطائرة بدون طيار لحزب الله، بالقرب من رموت نفتالي، 14 أكتوبر 2024.

فاجأ حزب الله اللبناني إسرائيل، صباح السبت 19 أكتوبر 2024، باستهداف مقر إقامة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في منطقة قيساريا جنوب حيفا، وبعد تكتُّم قصير، قال مكتب نتنياهو إن الهجوم وقع في غيابه هو وزوجته.

وكان حزب الله أعلن، في 18 أغسطس، عن نجاح إحدى طائراته المسيرة في تصوير منزل نتنياهو في قيساريا، بشكل سري دون أن تفلح الدفاعات الإسرائيلية في كشفها، وأمس، 18 أكتوبر، هجم سرب مسيرات انقضاضية على قاعدة عين شيمر للدفاع الجوي شمال تل أبيب، وقبل ذلك بيوم واحد أعلنت غرفة عمليات حزب الله الانتقال إلى مرحلة جديدة وتصاعدية في مواجهة الكيان الصهيوني.

أتى هذا الإعلان في ظل زيادة وتيرة إطلاق الحزب للصواريخ على الأراضي المحتلة، حتى أصبح يشن عشرات الهجمات في اليوم الواحد، ويزيد من حين لآخر في عمق استهدافه، ويُوسِّع بنك الأهداف بطريقة غير مسبوقة.

إيلام العدو

تعطي التطورات الأخيرة مصداقية لما أعلنه نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، في 15 أكتوبر، في ثالث كلمة مصورة له منذ اغتيال حسن نصر الله، من أن الحزب بدأ مرحلة جديدة، وأن لبنان لم يعد جبهة إسناد بل مواجهة، وأنه قرر منذ نحو أسبوع، أي في 8 أكتوبر، تنفيذ معادلة جديدة، وهي إيلام العدو، وستصل الصواريخ إلى حيفا وإلى ما بعد بعد حيفا، مشيراً إلى أنه «منذ 17 سبتمبر نحن في مرحلة جديدة اسمها مواجهة العدوان والحرب الإسرائيلية على لبنان، ولم نعد في مرحلة المساندة»، في إشارة واضحة لسقوط قواعد الاشتباك وتوسيع نطاق المواجهة العسكرية.

في مطلع أكتوبر الجاري، أي في نفس يوم الضربة الصاروخية الإيرانية لإسرائيل، أعلن الحزب توجيه ضربة صاروخية لمواقع عسكرية في تل أبيب، ورُصد إطلاق 10 صواريخ باليستية سقط نصفها في تل أبيب، مُوقعةً عدداً من الإصابات الطفيفة والمتوسطة وأضراراً مادية، واعترضت الدفاعات الإسرائيلية الخمسة الصواريخ الأخرى. وقد ذكر الحزب أن هذه الضربة استهدفت قاعدة غليلوت الاستخباراتية قرب تل أبيب، وقد جاءت تحت شعار لبيك يا نصر الله، في إشارة إلى الثأر لأمينه العام الراحل.

وفي 13 أكتوبر، قُتل أربعة جنود إسرائيليين وأُصيب 67 آخرون خلال هجوم لطائرة مسيرة تابعة للحزب استهدفت جنود قوات لواء جولاني خلال وجودهم في صالة الطعام بقاعدة رفغيم، قرب بنيامينا جنوب حيفا، والتي تبعد عن الحدود اللبنانية 66 كيلومتراً، وكشف الحزب أن العملية نجحت بعد تمكنه من إشغال الدفاعات الجوية بإطلاق دفعة من الصواريخ قبل إطلاق عدة طائرات مسيرة، فركز الإسرائيليون على صد عشرات الصواريخ في نهاريا وعكا، وأفلتت الطائرة المسيرة من أمام شاشاتهم لتصيب هدفها.

ورغم نجاح المنظومة الدفاعية الإسرائيلية المعروفة بالقبة الحديدية في صد آلاف الصواريخ على مدى 13 عاماً تقريباً، وتوفير طبقة حماية من الصواريخ قصيرة المدى، فإن المواجهات العسكرية الأخيرة أثبتت للاحتلال أنهت ليست مأمونة ولا يمكن الارتكان إليها لصد الأخطار الجوية، فالمسيرات رخيصة الثمن تجتازها أحياناً، كما تفلت الأسماك الصغيرة من الشباك الكبيرة، مما يُحدِث أثراً سلبياً في الداخل الإسرائيلي، بغض النظر عن ضآلة حجم الأضرار في كثير من الأحيان.

يحاول حزب الله استعادة المبادرة في المعركة الجارية حالياً، رغم الفارق الهائل للقوة، اعتماداً على عظم تأثير المواجهات على المجتمع الإسرائيلي، وكون ذلك يشكل ضغطاً كبيراً على حكومة نتنياهو للتراجع؛ لذلك يُوسِّع الحزب دائرة الاستهداف لتوازي حجم السكان الذين أُجبروا على التهجير من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية والبقاع، لإعطاء مصداقية لما أعلنه أمين عام الحزب سابقاً، من أن الضغط العسكري الإسرائيلي على لبنان لن يعيد سكان الشمال الإسرائيلي إلى مناطق سكنهم، وأن التهجير يقابله تهجير.

وقد كرر نعيم قاسم هذا المبدأ مؤخراً قائلاً إن مستوطني الشمال لن يعودوا إلا بانتهاء الحرب، وإنه «مع استمرار الحرب ستزداد المستوطنات غير المأهولة ومئات الآلاف، بل إن أكثر من مليونين سيكونون في دائرة الخطر».

ومع اشتداد التوغلات البرية الإسرائيلية مطلع الشهر الجاري، اتضح أن قدرات مقاتلي الحزب في الجنوب لم تتحطم بفعل تدمير مقرات القيادة في الضاحية الجنوبية وتصفية رءوس الجماعة، بل وقعت مواجهات عنيفة على الأرض منعت الاحتلال من التقدم واجتياح لبنان.

الهدف وقف إطلاق النار

في 18 سبتمبر، أي بعد بدء تفجيرات أجهزة اللاسلكي الخاصة بعناصر حزب الله، استهدف الحزب مقر قيادة المخابرات الإسرائيلية الموساد، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها الحزب تل أبيب، وذلك بواسطة صاروخ قادر-1، وهو نسخة مُحسَّنة من شهاب-3 الباليستي، الذي لم يكن امتلاك حزب الله له مؤكداً قبل ذلك.

وبعد اغتيال حسن نصر الله وكبار القادة العسكريين في الحزب خرج نعيم قاسم ليؤكد أن كل المواقع القيادية مُلِئت. ثم في الخطاب الثاني له، في 8 أكتوبر، فتح الطريق أمام وقف لإطلاق النار، متخطياً ضمنياً مبدأ وحدة الساحات الذي كان يتمسك به الحزب بالربط بين لبنان وغزة، أي الامتناع عن وقف إطلاق النار في جنوب لبنان قبل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة.

وأعلن قاسم تأييد نبيه بري، زعيم حركة أمل الشيعية ورئيس مجلس النواب، بوصفه «الأخ الأكبر الذي لا يمكن أن يتخطاه أحد»، في مساعيه لوقف إطلاق النار. وأخيراً في خطابه الثالث، كرر نعيم قاسم أن الحل هو وقف إطلاق النار باتفاق غير مباشر.

ويبدو أن المعادلة التي يتحرك الحزب على أساسها أن وقف إطلاق النار في لبنان يجب أن يتم عبر تصعيد الضغط العسكري ضد تل أبيب؛ بحيث يجد نتنياهو نفسه مُجبراً بضغط شعبي على خفض سقف شروطه وإملاءاته، وبالتالي وقف العمليات العسكرية في جنوب لبنان ووقف القصف الجوي.

إن المواجهة التي يخوضها حزب الله محسوبة؛ فهي ليست محدودة بقواعد الاشتباك، لكنها أيضاً ليست مفتوحة بلا سقف، بل إن نسبة الهجمات المميتة ربما تكون أقل من 1% من مجمل هجمات الحزب اليومية في العمق الإسرائيلي، بخلاف الاشتباكات البرية التي تشهد التحاماً حقيقياً نظراً لأنها تتم داخل معاقل الحزب وداخل قواعده العسكرية.

ويبدو جلياً أن التصعيد العسكري للحزب عبارة عن رسائل نارية للطرف الآخر، ومحاولة فرض قواعد اشتباك ضمنية جديدة على غرار الضاحية مقابل حيفا، أو أن استهداف بيروت سيُقابَل باستهداف تل أبيب.

# حزب الله # إسرائيل # طوفان الأقصى # حرب غزة

«معركة خلدة»: عن الهزائم التي تلد انتصارات
تل أبيب: قصة الحي الشعبي الذي أصبح قلب إسرائيل
الشابات: كيف نفهم حياة الحريديم في الأراضي المحتلة؟

مجتمع